أصوات مهجَّرة: مسار مناصرة مجتمعية لإعادة إدراج قضية المهجّرين والمهجّرات قسرياً في شمال وشرق سوريا، من الواقع والتجربة إلى خطاب حقوقي جماعي
نحو تمثيل عادل وصوت موحّد للمهجّرين والمهجّرات

لماذا هذا التقرير الآن؟
يأتي هذا التقرير في لحظة مفصلية تشهد فيها قضية المهجّرين والمهجّرات من عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، استمراراً في التهميش وغياب الحلول المستدامة، رغم مرور أكثر من سبع سنوات على التهجير القسري الذي طال عشرات الآلاف من العائلات. ففي الوقت الذي تراجعت فيه مستويات الاهتمام العام والإعلامي بهذه القضية، وتحوّلت معاناة المهجّرين إلى واقع “مُعتاد” في الخطاب المحلي، ما يزال المهجّرون يعيشون أوضاعاً إنسانية واقتصادية وأمنية هشّة، دون تمثيل فعّال أو إدماج حقيقي في السياسات والخطط المحلية.
يصدر هذا التقرير بوصفه حصيلة مسار مناصرة مجتمعية قادته مبادرة «أصوات مهجَّرة»، انطلقت من قناعة بأن الوقت لم يعد يسمح بالاكتفاء بالتوثيق أو الاستجابة الإنسانية المحدودة، بل يتطلّب إعادة طرح قضية المهجّرين/ات كقضية حقوقية وإنسانية قائمة بذاتها، تستوجب الاعتراف، والمساءلة، والعمل الجاد على معالجتها. كما يأتي التقرير في سياق تحوّلات سياسية وإدارية محلية تفرض ضرورة فتح نقاشات جدّية حول دور السلطات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والفاعلين الإنسانيين، في ضمان حقوق المهجّرين/ات وعدم ترك ملفهم رهينة التجاذبات أو الأولويات المتغيرة.
ويكتسب هذا التقرير أهميته من كونه مبنياً على أصوات المهجّرين/ات أنفسهم، لا بوصفهم مستفيدين أو ضحايا فحسب، بل كفاعلين قادرين على تحليل واقعهم، وصياغة مطالبهم، وتقديم توصيات واضحة تستند إلى تجارب معيشة حقيقية. فهو لا يقدّم قراءة خارجية للواقع، بل ينقل خطاباً جماعياً تشكّل عبر جلسات تفاعلية، ومنتدى حواري، ومسار تشاوري، انتهى بإنتاج رسائل وبيان مناصرة يعكس أولويات ملحّة لا يمكن تأجيلها.
إن نشر هذا التقرير في هذا التوقيت يهدف إلى إعادة إدراج قضية المهجّرين والمهجّرات ضمن الأجندة العامة المحلية، وتحفيز الفاعلين المعنيين على تحمّل مسؤولياتهم، وفتح مساحات جديدة للحوار والعمل المشترك، بما يضمن ألا تبقى معاناة التهجير قضية مؤجلة أو منسية، بل مسألة راهنة تتطلب استجابة عادلة، شاملة، ومستدامة.
الملخص التنفيذي
يقدّم هذا التقرير حصيلة مسار المناصرة الذي قادته مبادرة «أصوات مهجَّرة» خلال الفترة الممتدة من 20 تشرين الأول/ديسمبر 2025 ولغاية 20 كانون الأول/ديسمبر 2025، بوصفه مساراً مجتمعياً وحقوقياً هدف إلى إعادة إدراج قضية المهجّرين/ات قسرياً من عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي ضمن النقاش العام المحلي في مدينة الحسكة، ونقل مطالبهم/هن وتوصياتهم/هن من مساحات التعبير المغلقة إلى الفضاء العام وصنع القرار المحلي.
انطلقت المبادرة من إدراك عميق لحالة التهميش الممتدة التي يعيشها المهجّرين/ات بعد أكثر من سبع سنوات على تهجيرهم، حيث ما تزال معاناتهم اليومية وحقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في السكن اللائق، العمل، الصحة، السلامة، التمثيل، والمشاركة في الشأن العام غائبة إلى حدّ كبير عن أولويات التخطيط المحلي والسياسات العامة. كما أولت المبادرة اهتماماً خاصاً بتجارب النساء المهجّرات اللواتي يتحمّلن أعباء مضاعفة، ويواجهن قيوداً إضافية في الوصول إلى مساحات المشاركة والتأثير.
اعتمدت «أصوات مهجَّرة» مساراً تدريجياً متكاملاً، بدأ بتنظيم ثلاث جلسات تفاعلية جمعت مهجّرين ومهجّرات من المناطق الثلاث المقيمين داخل المخيمات وخارجها، هدفت إلى توفير مساحة آمنة للتعبير، وتحليل التحديات، وصياغة رسائل مناصرة نابعة من التجربة المعيشة. أفضت هذه الجلسات إلى تحوّل ملحوظ في خطاب المشاركين/ات، من سرد فردي قائم على الشكوى إلى خطاب حقوقي جماعي يربط المعاناة بالمطالب والحلول الممكنة.
في المرحلة التالية، جرى نقل هذه الرسائل والتوصيات إلى منتدى حواري مجتمعي ضم ممثلين/ات عن الإدارة الذاتية، منظمات المجتمع المدني، فاعلين/ات محليين، ووسائل إعلام، حيث طُرحت مطالب المهجّرين/ات بشكل مباشر بوصفها رسائل صاغها أصحاب القضية أنفسهم. شكّل هذا المنتدى مساحة غير مسبوقة لفتح حوار مباشر حول مسؤوليات الجهات المعنية، وربط الصوت المجتمعي بالمسار المؤسسي والإعلامي للمناصرة.
وبالتوازي مع الأنشطة الميدانية، رافق المبادرة حضور رقمي وإعلامي منظّم شمل لقاءات مصوّرة وسلسلة منشورات مناصِرة تناولت خمسة رسائل أساسية عكست أولويات المهجّرين/ات، من بينها: التهجير المستمر وغياب الحلول، السلامة داخل المخيمات، الحق في العمل وعدم الإقصاء، التمثيل والحصول على المعلومات، والحق في الصحة. أسهم هذا الحضور في توسيع دائرة الوصول، وتضخيم أثر الرسائل، وربط العمل المجتمعي الميداني بالنقاش العام الأوسع.
تعكس «أصوات مهجَّرة» صوت المهجّرين/ات المشاركين/ات بشكل موحّد، وتجمع مخرجاتها من الرسائل والتوصيات في وثيقة حقوقية واضحة موجّهة للرأي العام المحلي والجهات المعنية. ويشكّل هذا التقرير مرجعاً عملياً لتثبيت مطالب المهجّرين/ات في النقاش العام، وإرساء أساس لاستمرار المسار الذي تقوده «أصوات مهجَّرة».
لا يهدف هذا التقرير إلى توثيق الانتهاكات بالمعنى القانوني أو الرصدي، بقدر ما يسعى إلى تحليل القضايا المشتركة التي عبّر عنها المهجّرون/ات المشاركين/ات، ورصد أنماط التهميش والتحديات المتكررة التي يواجهونها في حياتهم اليومية. ويعمل التقرير على تحويل هذه القضايا إلى محاور واضحة ورسائل وتوصيات عملية موجّهة للجهات المحلية، والمنظمات المدنية والحقوقية، والفاعلين المعنيين، بما يعزّز الاعتراف بالقضية ويدعم إدراجها ضمن أولويات الاستجابة والمناصرة.
المقدمة
على الرغم من مرور سنوات على موجات التهجير القسري التي طالت عشرات آلاف المدنيين من مناطق عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، لا تزال معاناة المهجّرين والمهجّرات مستمرة بأشكال متعددة، في ظل غياب حلول مستدامة، وضعف التمثيل، وتراجع حضور قضيتهم/ن في النقاشات العامة وصنع القرار المحلي. يعيش المهجّرون/ات اليوم في مدينة الحسكة ومحيطها واقعاً مركّباً من الهشاشة الاقتصادية، وانعدام الاستقرار، وضعف الوصول إلى الحقوق الأساسية، وسط شعور متزايد بالتهميش وغياب الاعتراف بمعاناتهم/ن بوصفها قضية إنسانية وحقوقية قائمة.
ينطلق هذا التقرير من مبادرة «أصوات مهجَّرة» بوصفها مسار مناصرة مجتمعية يهدف إلى كسر هذا التهميش، وإعادة تمكين المهجّرين والمهجّرات من التعبير عن مطالبهم/ن بأنفسهم/ن، وتحويل تجاربهم/ن الفردية إلى خطاب حقوقي جماعي منظم. لا يتعامل التقرير مع المهجّرين/ات كضحايا فحسب، بل كأصحاب قضية وفاعلين أساسيين في صياغة المطالب، وتحديد الأولويات، والمشاركة في النقاش حول مستقبلهم/ن.
يعكس هذا التقرير حصيلة مسار تشاركي امتد عبر جلسات تفاعلية مغلقة، ومنتدى حواري مع فاعلين محليين، وحضور رقمي وإعلامي مناصِر، وصولاً إلى صياغة بيان مناصرة جماعي موجّه للرأي العام المحلي والجهات المعنية. ويستند التقرير إلى أصوات المشاركين/ات أنفسهم/ن، مسلطاً الضوء على أولويات ملحّة تشمل: التهجير المستمر وغياب الحلول، الحق في العمل وسبل العيش، السلامة داخل المخيمات، الحق في الصحة، التمثيل والحصول على المعلومة، والحق في العودة الآمنة والطوعية.
لا يهدف هذا التقرير إلى التوثيق فقط، بل إلى المساهمة في إعادة إدراج قضية المهجّرين/ات ضمن الأجندة العامة، وفتح نقاش مسؤول مع الفاعلين المحليين وصنّاع القرار حول مسؤولياتهم/ن القانونية والأخلاقية، بما يعزز الاعتراف بحقوق المهجّرين/ات ويدعم أي مسار يسعى إلى حلول عادلة تحفظ الكرامة والحق والعدالة.
سياق القضية
تأتي مبادرة «أصوات مهجَّرة» في سياق إنساني وحقوقي معقّد تعيشه آلاف العائلات المهجّرة قسرياً من مناطق عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، يقيمون منذ سنوات في مدينة الحسكة ومحيطها، داخل المخيمات وخارجها، في ظروف تتّسم بعدم الاستقرار، وغياب الحلول المستدامة، واستمرار التحديات المرتبطة بالسكن، وسبل العيش، والخدمات الأساسية، والسلامة، والتمثيل.
ورغم مرور أكثر من سبع سنوات على موجات التهجير القسري، لا تزال قضية المهجّرين/ات تعاني من تراجع واضح في مستوى الاهتمام العام والمؤسسي، وتُطرح غالباً بوصفها ملفاً إنسانياً مؤجلاً أو ثانوياً، بدلاً من التعامل معها كقضية حقوقية قائمة ذات آثار طويلة الأمد على الأفراد والمجتمع المحلي ككل. هذا الواقع انعكس في محدودية إدماج احتياجات المهجّرين/ات ضمن الخطط المحلية، وضعف مشاركتهم/ن في النقاشات العامة وصنع القرار، وغياب قنوات منتظمة لنقل مطالبهم/ن بشكل مباشر إلى الجهات المعنية.
تتضاعف هذه التحديات بالنسبة للنساء المهجّرات، اللواتي يتحمّلن أعباء مركّبة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، في ظل أدوار رعاية موسّعة، وفرص محدودة للوصول إلى العمل أو المشاركة العامة، ومساحات ضيقة للتعبير عن أولوياتهن الخاصة. وعلى الرغم من ذلك، غالباً ما تغيب أصوات النساء عن تمثيل قضية التهجير في الخطاب العام، أو تُختزل ضمن أطر إنسانية عامة لا تعكس تعقيد تجاربهن.
تنطلق «أصوات مهجَّرة» من حاجة فعلية لسد فجوة قائمة بين التجربة المعيشة للمهجّرين/ات، والخطاب العام السائد حول قضيتهم/ن. وتسعى المبادرة إلى نقل القضية من مستوى الشهادة الفردية المتفرقة إلى مستوى الصوت الجماعي المنظّم، القادر على التعبير عن المطالب، وربطها بالحقوق، وطرحها ضمن النقاش العام المحلي بصورة واضحة ومباشرة.
في هذا السياق، لا يمكن فصل واقع التهجير المستمر عن التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها مناطق عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي منذ عام 2018، وما تبعها من تغيّر ديمغرافي وأنماط السيطرة والإدارة على تلك المناطق. وقد ترافقت هذه التحولات مع تدخلات إقليمية مباشرة، أسهمت في إعادة تشكيل الواقع السكاني والإداري، وخلقت ظروفًا حالت دون عودة السكان الأصليين إلى مناطقهم.
ومع تطورات المشهد السياسي والعسكري في سوريا، بما في ذلك سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024 وتسلم إدارة عمليات «ردع العدوان» بقيادة «هيئة تحرير الشام» للسلطة، ازداد تعقيد ملف التهجير، وترسّخت حالة النزوح كواقع طويل الأمد، لا كحدث مؤقت. وقد انعكس ذلك في آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية متراكمة، ما يزال المهجّرون والمهجّرات يتحملون تبعاتها حتى اليوم، في ظل غياب حلول واضحة تضمن العودة الآمنة والكرامة والحقوق.
هامش قانوني
يستند هذا التقرير إلى أحكام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، اللذين يجرّمان التهجير القسري ويصنّفانه كجريمة حرب، وقد يرقى، عند ارتكابه على نطاق واسع أو بشكل ممنهج، إلى جريمة ضد الإنسانية وفق المادة (7) من نظام روما الأساسي. كما يستند إلى ما تكفله هذه الأطر القانونية من حقوق أساسية للمهجّرين، وفي مقدمتها الحق في العودة الطوعية والآمنة والكريمة، والحق في السكن اللائق، والعمل، والصحة، والمشاركة في الشأن العام.ويؤكد الإطار القانوني الدولي كذلك مسؤولية السلطات المحلية والجهات المعنية في حماية حقوق المهجّرين داخليًا، وضمان وصولهم إلى المعلومات والخدمات الأساسية، وإشراكهم بصورة فعلية في القرارات والسياسات التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم ومستقبلهم.
ورغم تغير السياق السياسي بعد سقوط نظام بشار الأسد، عبر المهجّرون/ات المشاركين/ات في الجلسات عن شعور متزايد بأن ملفهم الإنساني لم يحظَ بالاهتمام الكافي، وبأن معاناتهم/هن لا تزال رهينة التوافقات السياسية والعسكرية، والتدخلات الإقليمية، دون وجود مسار واضح للحل والإنصاف. في هذا السياق، يبرز التهجير القسري لا كحدث ماض، بل كواقع مستمر، تتداخل فيه الأبعاد الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحقوقية.
منهجية العمل
اعتمدت مبادرة «أصوات مهجَّرة» منهجية تشاركية وحقوقية، انطلقت من مبدأ أن المهجّرين والمهجّرات ليسوا مجرّد متلقّين للدعم أو موضوعاً للخطاب الإنساني، بل فاعلين أساسيين وأصحاب حق في تعريف قضاياهم وصياغة مطالبهم بأنفسهم. لذلك، بُني مسار العمل على إشراك المهجّرين/ات بشكل مباشر في جميع مراحل المبادرة، من تشخيص التحديات، إلى بلورة الرسائل، وصولاً إلى نقلها إلى الفاعلين المحليين والرأي العام.
ارتكزت المنهجية على ثلاث مراحل مترابطة شكّلت مساراً تدريجياً متكاملاً. في المرحلة الأولى، جرى تنظيم جلسات تفاعلية مغلقة وفّرت مساحات آمنة للحوار، مكّنت المشاركين/ات من مشاركة تجارب التهجير القسري، وتحليل آثارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وتحديد القضايا ذات الأولوية من منظورهم/ن المباشر. اعتمدت هذه الجلسات أدوات الحوار المفتوح، والعمل ضمن مجموعات صغيرة، وتمارين تحليل تشاركية، بما أتاح الانتقال من التجربة الفردية إلى الفهم الجماعي، ومن الشكوى إلى صياغة مطالب واضحة.
في المرحلة الثانية، انتقلت المبادرة من المساحات المجتمعية إلى الفضاء العام المنظّم، عبر تنظيم منتدى حواري جمع فاعلين محليين وصنّاع قرار وممثلين/ات عن منظمات المجتمع المدني والإعلام المحلي. هدفت هذه المرحلة إلى نقل الرسائل والتوصيات التي صاغها المهجّرون/ات بأنفسهم/ن، ومناقشتها بشكل مباشر مع الجهات المعنية، بما عزّز مبدأ المشاركة المجتمعية، وربط الصوت المجتمعي بالمسار المؤسسي وصنع القرار المحلي.
أما المرحلة الثالثة، فتمثلت في تجميع مخرجات الجلسات التفاعلية والمنتدى الحواري في وثيقة واحدة متماسكة، تعكس صوتاً جماعياً موحّداً، وتقدّم قراءة تحليلية للقضايا المطروحة مقرونة بتوصيات عملية. جرى دعم هذا المسار بحضور رقمي وإعلامي مدروس، حوّل الرسائل إلى محتوى قابل للتداول والتأثير، مع الحفاظ على خصوصية المشاركين/ات وسياق الحوار المسؤول.
راعت المنهجية طوال مراحلها إدماج منظور النوع الاجتماعي، من خلال إعطاء أولوية واضحة لمشاركة النساء المهجّرات على مستوى الدور والمساهمة في النقاش وصياغة الرسائل. كما التزمت المبادرة بعدم تعريض المشاركين/ات لأي مخاطر، واحترام مبدأ «عدم إلحاق الضرر»، وتجنّب أي توثيق مباشر قد يعرّضهم/ن للمساءلة أو الاستهداف.
بهذا النهج، لم تصمم المبادرة كمجموعة أنشطة منفصلة، بل كمسار متكامل يربط بين العمل المجتمعي، والحوار مع الفاعلين المحليين، والحضور الإعلامي، بهدف تثبيت قضية المهجّرين/ات في النقاش العام، وتعزيز قدرتهم/ن على التأثير المستدام في السياسات والممارسات المحلية.

محاور النقاش
انطلقت محاور النقاش الواردة في هذا التقرير من المساحات التشاركية التي أُتيحت للمهجّرين/ات خلال الجلسات التفاعلية والمنتدى الحواري، حيث جرى توثيق القضايا المشتركة التي تكررت في شهاداتهم/ن ونقاشاتهم/ن، وتحليلها بوصفها أنماطاً بنيوية تعكس واقع التهجير المستمر، وليس باعتبارها تجارب فردية معزولة. تم تجميع هذه القضايا وصياغتها ضمن محاور رئيسية تعبّر عن أولويات المهجّرين/ات، وتشكل الأساس الذي بُنيت عليه الرسائل والتوصيات اللاحقة.
- المحور الأول: التهجير المستمر وغياب الحلول المستدامة
أجمع المشاركين/ات على أن التهجير لم يعد حدثًا طارئًا أو مرحلة مؤقتة، بل تحوّل إلى حالة ممتدة بفعل غياب أي مسار واضح للحل أو العودة. عبّر المهجّرين/ات عن شعور عميق بانعدام الأفق، في ظل غياب أي مسار واضح أو جدي يفضي إلى عودة آمنة أو حلول بديلة تحفظ كرامتهم/ن. وأشاروا إلى أن سنوات التهجير الطويلة حوّلت حياتهم/ن إلى حالة انتظار مفتوحة، تتآكل فيها القدرة على التخطيط للمستقبل، سواء على المستوى الفردي أو الأسري.
برز خلال النقاش إدراك واسع بأن غياب الحلول لا يرتبط فقط باستمرار السيطرة على مناطقهم/ن الأصلية، بل أيضاً بتراجع الاهتمام بقضيتهم/ن ضمن الأجندات السياسية والإنسانية، وتحولها إلى ملف “مؤجَّل” أو ثانوي. هذا الشعور بالتجاهل عزّز الإحساس بالظلم، ورسّخ قناعة لدى المشاركين/ات بأن التهجير بات سياسة أمر واقع أكثر منه نتيجة مؤقتة للنزاع.
- المحور الثاني: التمثيل، المعلومة، والاعتراف
أظهرت النقاشات حالة من عدم الرضا العميق لدى المشاركين/ات تجاه آليات التمثيل القائمة، حيث عبّروا/ن عن شعورهم/ن بأن هذه الآليات لا تعكس واقعهم/ن ولا تنقل مطالبهم/ن بشكل فعّال، بل غالباً ما تدار بمعزل عن أصحاب القضية أنفسهم. وأشار المشاركين/ات إلى أن غياب التمثيل الحقيقي أسهم في تهميش قضاياهم/ن وإبقائها خارج دوائر التأثير وصنع القرار، سواء على المستوى المحلي أو المؤسسي.
كما لفت النقاش إلى غياب مكاتب معلومات متخصصة تُعنى بشؤون المهجّرين/ات قسرياً، الأمر الذي يتركهم/ن دون مصادر موثوقة للحصول على المعلومات المتعلقة بحقوقهم/ن، أو بالخدمات المتاحة، أو بآليات الدعم القانوني والإداري. هذا الفراغ المعلوماتي فاقم من شعور الضياع، وأضعف قدرتهم/ن على المطالبة بحقوقهم/ن أو متابعة قضاياهم/ن بشكل منظّم.
بعد مرور عام على سقوط النظام السابق، عبّر المشاركين/ات عن شعور متزايد بأن ملف التهجير القسري لم يدرج كأولوية مستقلة، بل بقي خاضعاً للتجاذبات السياسية والتفاهمات الأمنية. وفي هذا السياق، ناقش المشاركين/ات البند الخامس من اتفاقية 10 آذار/مارس الموقعة بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والذي ينص على “ضمان عودة جميع المهجّرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية”، إضافة إلى المادة الثامنة من الإعلان الدستوري التي تؤكد على تذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين وجميع المهجّرين قسراً.
ورغم الترحيب بهذه النصوص، أبدى المشاركين/ات تحفظات على إدراج قضيتهم/ن الإنسانية ضمن اتفاقيات ذات طابع أمني، معتبرين أن ذلك قد يعرّض حقوقهم/ن لخطر التسييس والمساومة، ويجعل مصير عودتهم/ن مرهوناً بتوازنات سياسية متغيرة بدل كونه حقاً أصيلاً غير قابل للتفاوض.

- المحور الثالث: الأمان والحماية
أجمع المشاركين/ات على أن فقدان الأمان والاستقرار النفسي يشكّل أحد أكثر التحديات إلحاحاً منذ لحظة تهجيرهم/ن من مناطقهم/ن الأصلية. وارتبط هذا الشعور، بحسب إفاداتهم/ن، بالاستهدافات التي وصفوها بالممنهجة من قبل الفصائل المعارضة السورية التي سيطرت على مناطقهم/ن، وما رافق ذلك من انتهاكات متكررة وانعدام للضمانات الأمنية.
لم يقتصر انعدام الأمان على مناطق الأصل، بل امتد ليشمل أماكن النزوح نفسها، ولا سيما بعض المخيمات والمناطق المحيطة بها. أشار عدد من المشاركين/ات إلى مخاطر مباشرة تهدد حياتهم/ن، من بينها قرب مخيم “الطلائع” من مراكز عسكرية تُجرى فيها تدريبات، ما أدى في أكثر من حادثة إلى إصابات بين الأطفال نتيجة الرصاص الطائش. كما طُرحت مسألة تكرار السرقات على الطرق المؤدية إلى المخيمات، وما تخلقه من شعور دائم بالخوف، خاصة لدى النساء والأطفال.
يرى المشاركين/ات أن استمرار هذه المخاطر دون إجراءات حماية فعّالة يضاعف من هشاشة أوضاعهم/ن، ويقوّض أي شعور بالاستقرار، ويجعل حياة النزوح ممتدة في حالة قلق دائم، تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المهجّر.
- المحور الرابع: سبل العيش والعمل
شكّل غياب فرص العمل والدخل المستقر أحد أكثر القضايا حضوراً في النقاشات، سواء لدى المهجّرين/ات المقيمين/ات داخل المخيمات أو خارجها. عبّر المشاركين/ات عن شعور واسع بالإقصاء من مشاريع المنظمات وبرامج سبل العيش، وعدم إعطائهم/ن أولوية في فرص العمل حتى ضمن الأنشطة المنفّذة داخل المخيمات نفسها.
كما أشار المهجّرين/ات المقيمين/ات خارج المخيمات إلى أنهم/ن غالباً ما يستثنون/ن من برامج المساعدات أو الدعم الاقتصادي، ما يضعهم/ن في موقع هش بين الاستجابة الإنسانية المحدودة وغياب أي مسار تنموي حقيقي. هذا الواقع، بحسب المشاركين/ات، عزّز حالة الاعتماد القسري على المساعدات، وأضعف القدرة على الاعتماد على الذات، وقوّض الشعور بالكرامة الإنسانية.
برز في النقاش إدراك واضح بأن العمل ليس فقط مصدر دخل، بل عنصر أساسي للاستقرار النفسي والاجتماعي، وأن غيابه ينعكس سلباً على مجمل حياة الأسرة، ويزيد من الشعور بالتهميش وفقدان القيمة داخل المجتمع.
- المحور الخامس: الخدمات الأساسية
أشار المشاركين/ات إلى محدودية الخدمات الأساسية المقدّمة للمهجّرين/ات قسراً، ولا سيما الخدمات الصحية، سواء داخل المخيمات أو في مراكز المدن. وجرى التأكيد على النقص الحاد في النقاط الطبية داخل المخيمات، وغيابها شبه التام في بعض المناطق، ما يضطر العائلات إلى تحمّل أعباء مالية تفوق قدرتها.
لفت قاطنو/ات المخيمات إلى تهالك الخيم المستخدمة منذ نحو ست سنوات دون استبدال، وعدم صلاحيتها للحماية من الظروف الجوية القاسية، أو الحر أو البرد. كما أشاروا إلى نقص مادة المازوت خلال فصل الشتاء، وعدم كفاية الكميات الموزعة، إضافة إلى الصعوبات في الحصول عليها، وتكرار حوادث احتراق الخيم وما تشكّله من خطر مباشر على الأرواح.
في المجال الصحي، أوضح المشاركين/ات أن العديد من العائلات تضطر إلى تحمّل تكاليف العلاج والفحوصات والأدوية، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة، على نفقتها الخاصة، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى تأجيل العلاج أو التخلي عنه. ويرى المشاركين/ات أن هذا الواقع يشكّل تهديداً مباشراً للحق في الصحة، ويعمّق الفجوة بين الاحتياجات الفعلية ومستوى الاستجابة المتاحة.

- المحور السادس: التحديات الخاصة بالمهجّرات قسرياً
شكّلت أوضاع النساء المهجّرات قسرياً محوراً حاضراً بقوة في النقاشات، حيث عبّرت المشاركات عن تحديات مركّبة تتجاوز آثار التهجير العامة، وترتبط بتقاطع النزوح مع أدوار اجتماعية واقتصادية وأمنية غير متكافئة. وأشارت المهجّرات إلى أن التهجير لم يقتصر على فقدان المكان، بل أعاد تشكيل أدوارهن ومسؤولياتهن بشكل قسري، في ظل غياب شبكات الحماية والدعم، وتراجع فرص الوصول إلى الموارد والخدمات.
برزت الأعباء الإضافية التي تتحمّلها النساء داخل الأسر المهجّرة، حيث تتحول الكثير منهن إلى معيلات رئيسيات في ظل فقدان مصادر الدخل أو غياب المعيل، دون أن يقابل ذلك وصول فعلي إلى فرص عمل أو برامج دعم تراعي أوضاعهن الخاصة. وأشارت المشاركات إلى أن هذه المسؤوليات تُمارَس في ظروف معيشية هشّة، داخل مخيمات أو مساكن غير مستقرة، ما يفاقم الضغط النفسي ويحدّ من القدرة على التخطيط أو اتخاذ قرارات طويلة الأمد.
كما لفتت المهجّرات إلى مخاطر متزايدة تتعلق بالأمان الشخصي، سواء داخل المخيمات أو في محيطها، وفي الطرق المؤدية إلى الخدمات الأساسية، ما ينعكس على حرية الحركة والوصول إلى العمل، التعليم، أو الرعاية الصحية. وأوضحن أن غياب آليات حماية حسّاسة للنوع الاجتماعي، وضعف الاستجابة للشكاوى، يكرّس شعوراً دائماً بعدم الأمان ويجعل كثيراً من الانتهاكات غير المعلنة جزءاً من الواقع اليومي.
وفي السياق ذاته، عبّرت المشاركات عن محدودية مشاركتهن في مساحات التمثيل وصنع القرار، سواء ضمن هياكل المخيمات أو المبادرات المجتمعية، رغم امتلاكهن معرفة مباشرة بتفاصيل الاحتياجات والتحديات التي تواجه الأسر المهجّرة. وأكّدن أن تغييب أصوات النساء لا يؤدي فقط إلى إقصائهن، بل يضعف فاعلية أي استجابة إنسانية أو مجتمعية، ويعيد إنتاج حلول لا تعكس الواقع المعاش.
يعكس هذا المحور أن التهجير القسري ينتج آثاراً غير متكافئة، وأن النساء المهجّرات يواجهن تحديات متداخلة تمس الأمان، والعيش الكريم، والمشاركة، والصحة النفسية، ما يجعل قضاياهن جزءاً لا يتجزأ من أي قراءة شاملة لواقع التهجير، وليس ملفاً ثانوياً أو فئوياً.
- المحور السابع: الحق في العودة الآمنة والطوعية والكريمة
برز الحق في العودة بوصفه مطلباً مركزياً لا يقبل التجزئة أو الاستبدال بحلول جزئية. شدّد المشاركين/ات على أن أي حديث عن العودة يجب أن يقترن بشروط واضحة تشمل السلامة الجسدية، وضمان الملكية، ووقف الانتهاكات، وتوفير إدارة مدنية محايدة تحمي حقوق السكان الأصليين. ورفض العديد منهم/ن مقاربات “العودة الشكلية” التي لا توفّر الحد الأدنى من الأمان والاستقرار، معتبرين أنها قد تعرّض العائدين/ات لمخاطر جديدة أو لانتهاكات مضاعفة.
ما تكشفه محاور النقاش – أنماط مشتركة وتقاطعات أساسية
تكشف محاور النقاش التي طُرحت خلال الجلسات التفاعلية عن صورة مركّبة ومترابطة لواقع التهجير القسري، حيث لا تظهر القضايا التي يواجهها المهجّرون/ات بوصفها تحديات منفصلة، بل كمنظومة واحدة من الحرمان المتراكم وعدم الاستقرار طويل الأمد. فقد برز التهجير المستمر بوصفه الإطار العام الذي تتقاطع ضمنه مختلف الأزمات الأخرى، من غياب التمثيل والمعلومة، إلى انعدام الأمان، وتدهور سبل العيش، وضعف الخدمات الأساسية، وصولاً إلى الأعباء الخاصة التي تتحملها النساء المهجّرات، والغياب الفعلي لمسار واضح يضمن الحق في العودة الآمنة والطوعية والكريمة.
وأظهرت النقاشات أن غياب الاعتراف بقضية المهجّرين/ات كقضية إنسانية وحقوقية مستقلة، ينعكس بشكل مباشر على طبيعة الاستجابات المقدّمة لهم/ن، والتي غالباً ما تأتي مجتزأة أو مؤقتة، وغير قادرة على معالجة جذور المشكلة. كما برز ضعف التمثيل وغياب قنوات الحصول على المعلومة كعاملين أساسيين في تعميق شعور التهميش، وحرمان المهجّرين/ات من المشاركة في النقاشات والقرارات التي تمس حياتهم/ن اليومية ومستقبلهم/ن.
في الوقت ذاته، أظهرت محاور الأمان والعمل والخدمات الأساسية أن انعدام الاستقرار لا يقتصر على البعد الأمني فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ما يضع المهجّرين/ات في حالة هشاشة مضاعفة، ويقوّض قدرتهم/ن على بناء حياة كريمة أو التخطيط للمستقبل. وقد بدا هذا الأثر أكثر حدّة لدى النساء المهجّرات، اللواتي يواجهن تحديات مركّبة تتقاطع فيها مسؤوليات الرعاية، والحرمان الاقتصادي، وانعدام الأمان، مع محدودية فرص المشاركة والتأثير.
تؤكد هذه التداخلات أن التهجير القسري، كما عبّر عنه المشاركين/ات، لم يعد أزمة طارئة يمكن التعامل معها عبر استجابات جزئية أو ظرفية، بل تحوّل إلى واقع بنيوي يتطلب مقاربة شاملة تقوم على الاعتراف، والمساءلة، وضمان الحقوق، وربط الاستجابة الإنسانية بمسار واضح يفضي إلى حلول مستدامة، وفي مقدمتها الحق في العودة. وانطلاقاً من هذا الفهم المشترك، تبلورت لدى المشاركين/ات مجموعة من المطالب والتوصيات التي تعكس أولوياتهم/ن، وتسعى إلى معالجة هذه القضايا بوصفها أجزاء مترابطة من أزمة واحدة.

التوصيات
استناداً إلى مخرجات الجلسات التفاعلية والمنتدى الحواري، وما عبّر عنه المهجّرون/ات المشاركين/ات من تجارب مباشرة واحتياجات ملحّة، وبالاستناد إلى الأطر الحقوقية والإنسانية ذات الصلة، تخلص مبادرة «أصوات مهجَّرة» إلى مجموعة من التوصيات التي تعكس أولويات أصحاب القضية، وتهدف إلى الانتقال من تشخيص الواقع إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ والمتابعة.
أولاً، الاعتراف بقضية المهجّرين/ات كقضية إنسانية وحقوقية مستقلة
ضرورة إدراج ملف التهجير القسري من عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي كقضية مستقلة ضمن الأجندات المحلية والإنسانية، بعيداً عن ربطها الحصري بالمسارات الأمنية أو الترتيبات السياسية المؤقتة. ويشمل ذلك الاعتراف باستمرار التهجير بوصفه حالة قائمة ذات آثار طويلة الأمد، تتطلب استجابات شاملة تتجاوز الحلول الظرفية أو المجتزأة.
ثانياً، تعزيز التمثيل الفعّال وضمان الحق في المعلومة
مراجعة آليات تمثيل المهجّرين/ات، بما يضمن شموليتها وارتباطها الفعلي باحتياجاتهم/ن، وقدرتها على نقل مطالبهم/ن والدفاع عنها. كما توصي بإنشاء مكاتب معلومات متخصصة بالمهجّرين/ات ضمن هياكل السلطات المحلية، تكون مصدراً موثوقاً للمعلومات المتعلقة بالحقوق، والخدمات المتاحة، والدعم القانوني، وتكفل وصول المهجّرين/ات إليها بشكل مجاني ومنتظم.
ثالثاً، تعزيز الأمان والحماية داخل المخيمات ومحيطها
اتخاذ إجراءات وقائية واضحة من قبل الجهات الأمنية والعسكرية المحلية للحد من المخاطر التي تهدد سلامة المهجّرين/ات، ولا سيما في المخيمات والمناطق المحيطة بها. ويشمل ذلك تأمين محيط المخيمات، حماية الطرق المؤدية إليها، ومعالجة مصادر الخطر المباشر، بما يضمن الحد الأدنى من الأمان الجسدي والنفسي، خصوصاً للأطفال والنساء وكبار السن.
رابعاً، ضمان الحق في العمل وسبل العيش دون إقصاء
ضرورة إدماج المهجّرين/ات بشكل عادل في برامج سبل العيش، ومنحهم/ن أولوية في فرص العمل التي تنفذها المنظمات داخل المخيمات وخارجها. كما توصي بإطلاق برامج تدريب مهني تستجيب لواقع السوق المحلي، وتنظيم قواعد بيانات موحدة للمهجّرين/ات لضمان عدالة توزيع المساعدات، وتقليل الاعتماد القسري طويل الأمد على الدعم الإنساني.
خامساً، تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، ولا سيما الصحية
تعزيز الخدمات الأساسية المقدّمة للمهجّرين/ات، مع تركيز خاص على القطاع الصحي، من خلال زيادة عدد النقاط الطبية داخل المخيمات، وضمان وصول المهجّرين/ات المقيمين في مراكز المدن إلى خدمات صحية مجانية أو مدعومة. كما تشدد على ضرورة تأمين أدوية الأمراض المزمنة، ومعالجة أوضاع السكن غير اللائق داخل المخيمات، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحد من المخاطر الصحية.
سادساً، معالجة التحديات الخاصة بالنساء المهجّرات
إدماج منظور النوع الاجتماعي بشكل منهجي في جميع البرامج والسياسات المتعلقة بالمهجّرين/ات، والاعتراف بالأعباء المركّبة التي تتحملها النساء المهجّرات. ويشمل ذلك دعم وصولهن إلى فرص العمل، والخدمات الصحية، والمساحات الآمنة للمشاركة، وضمان تمثيلهن في أي مسارات حوار أو تخطيط تتعلق بمستقبل مجتمعاتهن.
سابعاً، ضمان الحق في العودة الآمنة والطوعية والكريمة
الحق في العودة يشكل مطلب مركزي غير قابل للتجزئة أو الاستبدال بحلول جزئية. وتوصي بربط أي مسار للعودة بضمانات واضحة تشمل السلامة الجسدية، وحماية الملكية، ووقف الانتهاكات، وتوفير إدارة مدنية تحمي حقوق السكان الأصليين. كما تشدد على ضرورة إشراك المهجّرين/ات أنفسهم/ن في صياغة وتنفيذ أي خطط متعلقة بالعودة أو بإدارة مناطقهم/ن الأصلية.
إطار المتابعة والمسؤوليات
انطلاقاً من مبدأ المساءلة المشتركة، تؤكد مبادرة «أصوات مهجَّرة» أن تنفيذ التوصيات الواردة في هذا التقرير يتطلب توزيعاً واضحاً للأدوار والمسؤوليات بين الجهات المعنية، إلى جانب آليات متابعة تضمن عدم بقاء هذه التوصيات في إطار الخطاب النظري.
- مسؤوليات السلطات المحلية والجهات الإدارية
تقع على عاتق السلطات المحلية في شمال وشرق سوريا مسؤولية إدراج قضية المهجّرين/ات ضمن أولويات التخطيط المحلي، واتخاذ خطوات عملية لتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز الأمان، وضمان الحق في المعلومة والتمثيل. ويشمل ذلك إنشاء مكاتب معلومات متخصصة، وتسهيل مشاركة المهجّرين/ات في النقاشات والقرارات التي تمس حياتهم/ن اليومية، بوصفهم/ن أصحاب مصلحة مباشرين.
- دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية
تتحمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية مسؤولية مواءمة برامجها مع الاحتياجات الفعلية للمهجّرين/ات، وضمان شمولهم/ن داخل المخيمات وخارجها دون إقصاء. كما ينتظر من هذه المنظمات دعم مسارات التمكين الاقتصادي، وإدماج منظور النوع الاجتماعي، واستخدام هذا التقرير كمرجع في تصميم البرامج والمناصرة أمام الجهات المعنية.
- دور الإعلام المحلي والفاعلين المجتمعيين
يلعب الإعلام المحلي والفاعلون المجتمعيون دوراً محورياً في إبقاء قضية المهجّرين/ات حاضرة في النقاش العام، ونقل مطالبهم/ن بشكل مسؤول يعكس تعقيد الواقع دون اختزال أو تسييس. ويشمل ذلك تغطية التحديات المستمرة، ومساءلة الجهات المعنية حول التزاماتها، والمساهمة في خلق رأي عام داعم للحقوق والحلول المستدامة.
- دور مبادرة «أصوات مهجَّرة»
تلتزم مبادرة «أصوات مهجَّرة» بمتابعة نشر وتداول هذا التقرير بوصفه وثيقة مرجعية تعبّر عن مطالب المهجّرين/ات، والعمل على توظيف مخرجاته في مسارات الحوار والمناصرة اللاحقة. كما تسعى المبادرة إلى الحفاظ على قنوات التواصل مع المهجّرين/ات المشاركين/ات، وتعزيز دورهم/ن كفاعلين/ات في أي خطوات مستقبلية تتعلق بالدفاع عن حقوقهم/ن.
وفي هذا الإطار، تعتمد المبادرة على استخدام التقرير كأداة مفتوحة للتداول والمساءلة، وربطه بالمساحات الحوارية والإعلامية، بما يتيح متابعة مدى استجابة الجهات المعنية للتوصيات الواردة فيه. وتؤكد أن استدامة الأثر لا ترتبط بزمن التنفيذ فحسب، بل بقدرة هذا التقرير على التحوّل إلى مرجع حيّ في النقاش العام والسياسات المحلية.
الخاتمة
تشكل مخرجات هذا التقرير حصيلة مسار مجتمعي تشاركي أتاح للمهجّرين والمهجّرات قسرياً من عفرين، رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، التعبير عن قضاياهم/ن ومطالبهم/ن بصوت جماعي واضح، انطلاقاً من تجاربهم/ن المعيشة وواقع التهجير المستمر الذي لم يعد حدثاً عابراً أو مرحلة مؤقتة، بل تحوّل إلى واقع طويل الأمد تتراكم آثاره الاقتصادية والاجتماعية والنفسية مع مرور الوقت.
أظهرت النقاشات أن استمرار وجود المهجّرين/ات في مخيمات أُنشئت كحلول مؤقتة، أو في مراكز إيواء جماعي، أو في أحياء مكتظة داخل المدن وضواحيها، لا يوفّر ضمانات حقيقية للأمان أو الكرامة أو الاستقرار، بل يكرّس أوضاعاً هشّة تطول لسنوات دون أفق واضح للحل. وقد عبّر المشاركين/ات عن شعور متزايد بأن ملف التهجير لم يُعالج بوصفه قضية مركزية قائمة بذاتها، بل جرى التعامل معه كنتيجة جانبية للصراع، ما أدى إلى تطبيع واقع هش وإدامة حلول مؤقتة بدل العمل على معالجات جذرية.
بيّن هذا المسار أن التحديات التي يواجهها المهجّرون/ات لا تقتصر على غياب الخدمات أو ضعف الاستجابة الإنسانية، بل تمتد إلى غياب التمثيل الفعّال، وانعدام الأمان، وتراجع فرص العمل، وتآكل الحق في المشاركة والعودة الآمنة. كما أظهر أن تجاهل هذه القضايا أو ترحيلها يساهم في تعميق الشعور بالتهميش، ويقوض الثقة بين أصحاب القضية والجهات المعنية.
إن الرسائل والتوصيات الواردة في هذا التقرير لا تمثل مطالب ظرفية أو فردية، بل تعكس أولويات جماعية نابعة من أصحاب القضية أنفسهم، وهي أصوات تطالب بالاعتراف قبل المساعدة، وبالاستقرار قبل الحلول المؤقتة، وتؤكد أن الاستماع وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى سياسات وإجراءات ملموسة تعالج جذور التهجير، وتعيد الاعتبار للحقوق، وتضع حداً لاستمرار التهميش. وتشكل بالوقت نفسه دعوة واضحة للسلطات المحلية، والجهات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، لتحمّل مسؤولياتها تجاه ملف التهجير القسري بوصفه قضية إنسانية وحقوقية قائمة.
وفي هذا الإطار، تسعى «أصوات مهجَّرة» من خلال هذا التقرير إلى تثبيت قضية المهجّرين/ات في النقاش العام، بوصفها قضية إنسانية وحقوقية قائمة، وفتح مسار مستمر للحوار، على أمل أن يشكّل هذا الجهد خطوة عملية نحو حلول عادلة، تضمن الحق في الأمان، والكرامة، والمشاركة، والعودة الطوعية الآمنة، بعيداً عن التجاذبات السياسية، وبما يحفظ حقوق الأفراد والمجتمعات المتضررة على حد سواء.
للاطّلاع على التقرير كاملاً بصيغة PDF، يُرجى النقر هنا.
